الجمعة
2024/07/26
آخر تحديث
الجمعة 26 يوليو 2024

أربع سنوات من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: ماذا تحقق؟

1 أغشت 2023 الساعة 12 و48 دقيقة
أربع سنوات من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: ماذا تحقق؟
الحسين بن محنض
طباعة

يفضل الرؤساء الذين يتميزون بالاهتمام بالمكاسب والسمعة الشخصية أكثر من المكاسب الوطنية تحقيق الإنجازات السريعة التي غالبا ما تكون قابلة للرؤية والحساب الكمي على حساب الكيف، ولو كان ذلك بطريقة منافية للاستراتيجيات المدروسة للتنمية، في حين يتجاهلون غالبا معضلات التنمية الكبرى مفضلين تركها لمن سيأتي بعدهم، لأن معالجتها مكلفة ولا تنسجم مع نظرتهم البراغماتية -حتى لا أقول الانتهازية- للحكم.

ومن البدهي أنه عندما يتم تجاهل معضلات التنمية الكبرى فإن البلد سيظل -في أحسن الأحوال- يراوح مكانه في وقت تكون فيه البلدان المجاورة قد قطعت أشواطا كثيرة في البناء والتقدم، وتحصيل أسباب القوة الضرورية للمنافسة: مؤسسيا، واستراتيجيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وعسكريا، وأمنيا..إلخ، إلى أن تتحول قوتها إلى رغبة جامحة في الهيمنة على الجار الضعيف والتحكم فيه، وقد يكون محلا لرغبات متضادة لجيران مختلفين، مما يضطره لدفع فاتورة لا قبل له بها أحيانا، كما قد يكون محلا لمصالح دول عظمى متعارضة ترتهنه وتضغط عليه باعتباره الحلقة الأضعف، مما يظهر أن تجاهل معضلات التنمية الكبرى والأخذ بأسباب القوة السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ووضع الخطط الاستراتيجية لضمان البقاء في عالم مضطرب ووسط إقليمي هش يشبه سياسة النعامة ويسير بالبلد إلى مستقبل قاتم...

يمكن القول بدون مواربة بأننا كنا نسير في هذا الاتجاه قبل تسلم رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة، فقد كانت فلسفة الحكم التي كنا نسير في فلكها في العشرية السابقة تعتمد تحقيق طفرات وفق خطوات مختلفة لم ينظر فيها إلى استراتيجية جامعة، مع إغفال تام للوجه الآخر للحقيقة المتمثل في ثمن هذه الخطوات الذي كان اقتراض مديونية خارجية غير مسبوقة في تاريخ البلد وصلت إلى 2000 مليار أوقية، وهو ما يتجاوز 100‎%‎‎ من الناتج الداخلي الخام، جعلت الرئيس الحالي يتسلم دولة مجمدة اقتصاديا، الرهان الأول والصعب الذي عليه القيام به هو خفض هذه المديونية إلى درجة تستطيع الحكومة معها التحكم فيها.. وهو أمر شبيه بمعجزة في بلد لم تستجد له موارد جديدة، ومع ذلك تحقق اليوم بفضل جهود مضنية قام بها في صمت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني...

أزمة المرجعية، والتشرذم السياسي، وظلال تسيير العشرية الماضية رافقت بدورها تسلم الرئيس الحالي للسلطة، وكانت العناوين الرئيسية الثلاثة التي اعتمَد لمعالجتها، وهي الإنصاف والتهدئة وفصل السلطات ناجعة، قد آتت أكلها، وأثمرت الوضع السياسي الذي نعيشه اليوم بعد نجاح الانتخابات البرلمانية والجهوية والبلدية الأخيرة..

وكانت أزمة جائحة كورونا التي تسببت في انهيار اقتصادات دول عديدة، وتداعيات الحرب الأوكرانية وما رافق ذلك من غلاء دولي في الأسعار قد جاءت لتنضاف إلى كل ما سبق، ومع ذلك أدارت موريتانيا طيلة السنوات الثلاث الأولى من مأمورية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ملف كورونا بجدارة، بلا مجاعة وبلا اضطرابات اجتماعية وبلا نقص في التموين.

ومع كل هذه العوائق المذكورة تمت خلال هذه السنوات المليئة كما رأينا بالعراقيل أمور كثيرة من بينها:

الزيادة الشاملة لرواتب الموظفين، المضاعفة التامة لمعاشات المتقاعدين، التكفل الكامل بطب الأمومة، وطب الحالات المستعجلة، ونظام الإسعاف الطبي، مع الشروع في مراجعة وتطوير النظام الصحي وإنشاء تأمين صحي تشاركي، ومراجعة وتطوير النظام التعليمي وإنشاء المدرسة الجمهورية، والشروع في إصلاح قطاعات الصيد والزراعة والثروة الحيوانية، وتعزيز الإدارة وتقريبها بصورة فعلية من المواطن، والتحكم في النظام المالي، ووضع الأسس الثابتة لتنمية مستدامة (قانونية، وإدارية، وبنية تحتية للانترنت القوية، ووضع أسس الحكومة الالكترونية، وتأسيس بنية لحساب المؤشرات الاقتصادية، وتحديث العناصر الأولية لهذه البنية كإحصاء السكان، وإحصاء الأجانب وإحصاءات الأنشطة المختلفة) وذلك لتأسيس أرضية صالحة لمقومات الدولة الحديثة كانت معدومة تماما لمواجهة المعضلات الحقيقية للتنمية كي يتسنى للبلد أن ينهض من جديد..

ولم يمنع كل هذا من تعزيز البنى التحتية كإنشاء جسر روصو، وجسر مدريد، وجسر الرياض، وجسر الحي الساكن، وتعبيد مئات الكيلومترات من الطرق المركز فيها على معايير الجودة، والحدائق العامة، والقرية الصناعة التقليدية، وإصلاح مخطط انواكشوط السكاني، وتوجيه المليارات لإحداث ثورة زراعية وطنية، والمليارات (أكثر من 200 مليار للعمل الاجتماعي، بحيث لا توجد ولاية داخل الوطن لم تستفد طبقاتها الهشة بفضل التآزر مما بين 10 إلى 20 مليار أوقية، ويجري الآن بناء آلاف المساكن الاجتماعية، في مختلف عواصم الداخل، بينما تجوب فرق التآزر جميع قرى البلاد موزعة الأموال نقدا على الأسر المتعففة (وزعت حتى الآن أكثر من 40 مليار أوقية)، ولا يكاد يوجد موضع يسكنه مواطنون فقراء ليس للتآزر فيه مدرسة أو مستوصف أو سد أو تمويلات مدرة للدخل فالتآزر حاضرة في 8119 مدينة وقرية هي جميع مدن وقرى البلاد، وفيها أكثر من 1750 دكانا يبيع المواد الأساسية للأسر المتعففة بأسعار مدعومة تنفق التآزر فيها ما يناهز 20 مليار سنويا.. وتتدخل التآزر فضلا عن ذلك كلما استدعت الحاجة لذلك في الحالات الطارئة، وهي تتكفل اليوم بالتأمين الصحي المجاني الشامل ل100 ألف أسرة فقيرة.. والتآزر كما هو معلوم فكرة غزوانية بامتياز وعدا وتخطيطا وتنفيذا، تظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن هذا الرئيس قد انحاز بصورة لا لبس فيها للفقراء، وهذا دون أن أذكر الجهود الاجتماعية الأخرى المتنوعة التي تبذلها وزارة العمل الاجتماعي ومفوضية الأمن الغذائي..

أما على الصعيد الديبلوماسي فهناك عمل دؤوب جاد وصامت لاستعادة موريتانيا لمكانتها الدولية، وانفرادها بقرارها السيادي، يدرك ذلك كل من درس وحلل مواقف وجولات وأسفار الرئيس، بما فيها موقفه المتوازن من أزمة مالي ومواقف الغرب والروس منها، وموقفه من الحرب الأوكرانية، ومن مختلف الأقطاب الإقليميين والدوليين، ومن آخر تجسيدات ذلك سفره الاستراتيجي الأخير إلى مصر، ثم إلى الصين حيث يأمل أن يوفر لموريتانيا قريبا حلا نهائيا لمعضلة الصرف الصحي في انواكشوط الذي يحتاج إلى ما بين 600 إلى 800 مليون دولار، وهكذا يكون التفكير الاستيراتيجي، وهكذا يكون البناء الاستيراتيجي، وهكذا تكون التنمية الاستيراتيجية.. وفقه الله تعالى وسدده...

الحسين بن محنض