الثلاثاء
2024/05/14
آخر تحديث
الثلاثاء 14 مايو 2024

تائه يبحث؟! (الحلقة: 15)

2 أبريل 2024 الساعة 22 و33 دقيقة
تائه يبحث؟! (الحلقة: 15)
لمرابط ولد لخديم
طباعة

أما الطائفة الأخرى المادية المحكومة بالرؤية الكمية فإنها تقول بالخلق والتخلق وتنكر وجود الله ونذكر منها على سبيل المثال: الفيلسوف الشيوعي إنجلز الذي ينظر إلى الإنسان كحيوان اقتصادي وهذا ما يدعم ما تقدم ذكره( 20) وذلك بقوله:
«إن كل القيم الأخلاقية هي في تحليلها الأخير من خلق الظروف الاقتصادية»(21).
وقد أكد (لابلاس) بفكرته الشهيرة أن النظام الفلكي لا يحتاج إلى أسطورة لاهوتية وقام بهذا العالمان (دارون) و (باستور) في ميدان لبيولوجيا. وقد ذهب كل من علم النفس والمعلوماتية التاريخية التي حصلناها في هذا القرن بمكان الإله الذي كان مفروضا أنه هو مدير شؤون الحياة الإنسانية والتاريخ»(21).
وهذا راسل يقول في هذا الصدد :
«درسنا العالم الطبيعي فوجدنا المادة عند العلم الحديث قد فقدت صلابتها وعفويتها، إذ حللها العلماء إلى مجموعات ذرية، كل مجموعة منها تنحل إلى ذرات، وكل ذرة تعود بدورها فتنحل إلى كهارب موجبة وأخرى سالبة، ثم مضى العلماء في التحليل، فإذا هذه الكهارب نفسها تتحول إلى إشعاعات !!
وختم (راسل) كلامه بهذه العبارة : «ليس في عالم الطبيعة ما يبرهن على أن الخصائص الذاتية للعالم الطبيعي تختلف عن خصائص العالم العقلي»(22).
وهنا لابد من الاقتراب من محاورة ومناظرة بين العالم الفيزيائي اينشتين وصحفي أمريكي يدعى (فيرك) في هذا الموضوع قال فيه الرجل : إنني لست ملحدا !!
ولا أدري : هل يصح القول بأني من أنصار وحدة الوجود(23). إن المسألة أوسع نطاقا من أن تحيط بها عقولنا المحدودة !!
وعاد الصحفي إلى سؤاله بطريقة أخرى فقال: إن الرجل الذي يكشف أن الزمان والمكان منحنيان، ويحبس الطاقة في معادلة واحدة( 24) جدير به ألا يهوله الوقوف في وجه غير المحدود !!
فيرد اينشتين : اسمح لي أن أضرب لك مثالا: إن العقل البشري مهما بلغ من عظم التدريب و سمو التفكير عاجز عن الإحاطة بالكون فكيف بخالقه ؟! نحن أشبه ما نكون بطفل دخل مكتبة كبيرة ارتفعت كتبها إلى السقف فغطت جدرانها، ثم هي مؤلفة بشتى اللغات. إن هذا الطفل يعلم أن شخصا ما كتب هذه الكتب، ولكنه لا يعرف بالضبط من هو، ولا كيف كانت كتابته لها، ثم هو لا يفهم اللغات التي كتبت بها!!
وقد يلاحظ الطفل أن هناك طريقة معينة رتبت بها الكتب ونظاما غامضا يشمل صفوفها وأوضاعها، نظاما تحس كنهه ولا تدري كنهه.؟!!
وإن ذلك القصور هو موقف العقل الإنساني مهما بلغ من العظمة والتثقيف !!
وعاد الصحفي الأمريكي يسأل: أليس في وسع احد حتى أصحاب العقول العظيمة أن يحل هذا اللغز؟؟.
فأجاب اينشتين مرة أخرى بقوله إننا «نرى كونا بديع الترتيب خاضعا لنواميس معينة، ونحن نفهم هذه النواميس فهما يشوبه الإبهام فنؤمن بالله، ولكن عقولنا المحدودة لا تدرك القوة الخفية التي تهيمن على مجاميع النجوم»(25).
نلاحظ من هذا الحوار مدى تباين الخطابين خطاب بغوص في المادة وبغرق فيها فينسى ذاته وينسى سؤال الكينونة وخطاب يتأمل هذا الكون وخالقه رافضا الشبهات التي تختلق ضده، وكأن لسان حاله يقول: إن بعض الخلافات الظاهرة مردها اختلاف العبارات وليس المعتقدات. وهكذا حيثما اتجهنا وجدنا من الشواهد ما يكفي للدلالة على أن عدم تبديل المقاربة الأدائية المادية لنمط رؤيتها لماهية الإنسان إنما هو ناتج عن عدم انتباهها لمنطلقها الخاطئ المحكوم بالرؤية الكمية.
وهذا ما جعلنا نتخذ طريقة أخرى جديدة في عالم الفكر أساسا لبحثنا وهي منهج الفطرة...
يتواصل...

ملخص الحلقة:
في هذه الحلقة، يتم استعراض ومناقشة وجهات نظر مختلفة حول الإيمان بوجود الله ودوره في الكون.
يظهر تباين الرؤى بين الرؤية المادية التي تركز على الظواهر الفيزيائية والاقتصادية، وبين الرؤية الروحية التي تركز على الكون وخالقه.
تبرز أهمية التفكير في المنطلق الصحيح للفهم الحقيقي للواقع، وتقدير حدود العقل البشري في فهم أسرار الكون.
كمايتضح أن عدم تغيير المقاربة المادية للرؤية ينبع من عدم انتباهها لمنطلقها الخاطئ المحكوم بالرؤية الكمية.
ولهذا وجب توجه البحث نحو منهج الفطرة كبديل للمنهج المادي في فهم الإنسان والكون.

لمرابط ولد لخديم