الجمعة
2024/07/26
آخر تحديث
الجمعة 26 يوليو 2024

يسألونك عن غزة وما أدراك ما غزة.. مقاربات في مقالات مفتوحة (2)

21 يناير 2024 الساعة 18 و54 دقيقة
يسألونك عن غزة وما أدراك ما غزة.. مقاربات في مقالات (…)
مولاي بن عبد الدايم بن انداه
طباعة

أواصل معك ـ عزيزي القارئ ـ هذه المقالات المفتوحة حول الحرب على غزة كما يختصرها الكثيرون والتى وعدتك بمواصلتها، وكنت ـ ولا زلت ـ أريد أن تكون متتابعة ومتسارعة بقدر تلاحق الأحداث و"ادراماتيكيتها"، ولكن بعض العوارض والمشاغل كانت وراء التأخير النسبي لهذه الحلقة أرجو وأنوي ألا يتكرر ذلك مستقبلا

فى الحلقة الأولى من هذه السلسلة عرضت لثلاثة عناوين صغيرة هي:

ـ لماذا تأخرت فى الكتابة عن غزة؟

بينت ضمن هذا المبحث الأسباب التي منعتني"فى الوقت المناسب" من الكتابة فى هذا "الموضوع" الخطير الذى ملأ الدنيا وشغل الناس

ـ معادلة ذات شقين

عنيت بالمعادلة ـ هنا ـ القصف المتواصل، وتدمير المباني على رؤوس ساكنيها فى غزة وانتصارات المقاومة ـ البادية للعيان ـ فى الحرب البرية

ـ مجال جديد للحرب

ذكرت في هذا المبحث إضافة الإنفاق كمجال جديد من مجالات الحر ب إضافة إلى البر والبحر وغيرهما

وفى ظل تعقد هذا الموضوع وتشعبه و"تجدده" سأحاول ـ عزيزي القارئ ـ من خلال هذه الحلقة تناول ومعالجة العناوين الستة التالية، حسبي التوقف عند بعض المعالم والصُّوّى إذ تتعذر ـ بل تستحيل ـ الاحاطة بالموضوع :

ـ دخول الحوثيين على الخط

ـ تعدد الجبهات

ـ دعوى جنوب إفريقيا

ـ الصراع الداخلي المركب

ـ الازمة الاقتصادية القاتلة

ـ مصطلحات جديدة أفرزتها الحرب

أولا: دخول الحوثيين على الخط:

فى الحلقة السابقة ـ أيها القارئ الكريم ـ توقفت عند الحوثيين فذكرت أن لديهم ـ كما قيل ـ "صوارخ فضائية"وأخرى"غواصة" (راجع المقال السابق ففيه بعض التفاصيل)

أما الآن فسأعرض لدور الحوثيين الاستراتيجي الخطير فأقول ـ وبالله التوفيق: إن هناك ممرات وقنوات ومعابر مائية عالمية تلعب دورا محوريا فى مرور السفن التجارية والنفطية عبر العالم، من هذه الممرات مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، ولعل باب المندب من أكثر الممرات أهمية و"أخطرها موقعا"، وهو ممر يمني بامتياز يربط بين"فضاءات بحرية"شاسعة هي الخليج العربي(الفارسي كما يقول بعضهم) والمحيط الهندي وبحر العرب والبحر الاحمر، وقد قرر الحوثيون منذ بعض الوقت ـ ترجمة لتضامنهم مع أشقائهم فى غزة، وتعبيرا عن الوجه الحقيقي الناصع لليمن السعيد ـ استهداف ومنع السفن التابعة للكيان التى تمر عبر هذا المنفذ "الخطير"ما لم توقف الحرب، وفى وقت لاحق قرروا استهداف السفن المتجهة إلى الكيان أيا كانت جنسيتها ما لم يوفر الغذاء والدواء لأهل غزة، وكان من نتائج ذلك توقف ميناء إيلات وخروجه عن الخدمة، وقد كانت "باكورة"هذا الاستهداف احتجاز سفينة تابعة للكيان من بين حمولتها 500 سيارة فيما وقعت استهدافات متفاوتة لسفن أخرى، وهكذا جن جنون أمريكا وبريطانيا ومن والاهما من الغرب والشرق والجهات المتبقية الأخرى وسار فى فلكهما فشكلوا تحالفا وصفوه بالدولي وقاموا ـ عدة مرات ـ بضرب أهداف تابعة للحوثيين، وقبل ذلك أغرقوا زوارق تحمل عشرة من القوات البحرية الحوثية إن صح التعبير

وهكذا نفذ الحوثيون وعيدهم ضد أمريكا وحلفاءها فضرب التحالف أهدافا يمنية أخرى، ورد الحوثيون فبدت المواجهة سجالا..

وبهذا أصبحت تلك المنطقة البحرية الحساسة ساحة حرب بحرية مما جعل كثيرا من السفن تغير وجهاتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح مما يضاعف تكاليف الشحن على الرسوم والتأمين كليهما

ثانيا: تعدد الجبهات:

لعل من أخطر ما يواجهه الكيان الصهيوني هو تعدد الجبهات فقد ذكر بعض قادة الكيان أن هناك سبع جبهات ـ لم يذكروها باسمائها ـ تحارب ضدهم يواجهون ستا منها على حد تعبيرهم، وهذه الجبهات هي: جبهة غزة، وجبهة الضفة الغربية، وجبهة جنوب لبنان، وجبهة اليمن، وجبهة العراق، وجبهة الجولان السوري، وجبهة إيران وإن كانت الاخيرة "لم تُواجِه"، وأنا أضيف جبهتين "محتملتين" يمكن القول إنهما نائمتين بمعنى ما وهما جبهة الداخل الفلسطيني، أو ما يعرف بالخط الاخضر أو فلسطين التاريخية، وما عملية "رعنانا" قبل يومين شمال تل آبيب إلا دليل على ذلك، أما الجبهة المحتملة ـ أو النائمة الاخرى ـ فهي جبهة مصر، أو لنقل جبهة سيناء، وقد حدثت عملية عسكرية لم يكشف النقاب عن تفاصيلها "كما ينبغى"، وقيل إن الامر يتعلق بعملية ضد عصابة تهريب مخدرات، ولكن في ظل "التوتر القائم" قد لا يكون الامر كذلك..

أما جبهة الضفة ـ والقدس لِنَقُلْ ـ فهي جبهة خطيرة قابلة للإنفجار و"الخروج عن السيطرة" فى أية لحظة، فالاحتلال يقوم من حين لآخر بحملة مداهمات واستباحات لمدن ومخيمات الضفة بما فى ذلك القتل والتنكيل والاسر..، فيما تقابل ذلك ردود ومواجهات من أهل الضفة، ويتنزل تخفيض قوات العدو من غزة ـ فى بعض جوانبه ـ في هذا السياق فلا بد من "تغطية" كل الجبهات، فما يريده العدو من غزة يريده من الضفة..

وأما جبهة لبنان فرغم أنها "لم تشتعل كما ينبغي"فإنها تربك العدو وتنهكه وتشتىت مجهوداته الحربية وهو يحسب لها ألف حساب كما صرح ولمح مرارا وتكرارا، ومن غباء العدو ـ في هذا التوقيت ـ اغتياله لنائب المكتب السياسي حماس صالح العاروري فى الضاحية الجنوبية من بيروت، والتى تمثل رمزية"سيادية للحزب" كما قام العدو بقتل القيادي الكبير فى حزب الله

إن هذه الجبهة تؤرق العدو فقد جرب المواجهات التراكمية المريرة مع حزب الله لسنوات طويلة والتى كان من بين نتائجها انسحاب العدو ـ صاغرا مدحورا ـ من الجنوب اللبناني كما انسحب ـ سابق من غزة ـ باستثناء مزارع شبعا اللبنانية، ناهيك بحرب 2006 ..

أما الآن فالمواجهات بين الطرفين سجال..

(كل هذا مع بعض التحفظ..)

(ألم أقل لك فى المقال السابق وفى مطلع هذا المقال ـ عزيزي القارئ ـ أن جمع شتات هذا الموضوع في مقالات كهذه يبدو أمرا صعب المنال وإلا فنحن بصدد تأليف كتاب، ولكن ليس بالإمكان أكثر مما كان كما يقول مَثَلٌ..)

أما جبهة العراق فقد استهدفت القواعد الامريكية مرارا، والحقيقة أن صلف أمريكا وتماهيها مع العدو ومده بكل ما يريد من المال والسلاح والعتاد ومؤازرته سياسيا بدون تخفظ كل ذلك جعلها توازى هذا العدو ـ ولنقل تتبناه ـ وتصنف معه فى خانة واحدة

ثالثا: دعوى جنوب إفريقيا:

تعتبر الدعوى القضائية الناجحة التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الكيان ضربة قاصمة في"مجال العدالة الدولية"إن صح التعبير وهو عمل مواز للعمل العسكري والسياسي بشكل ما، وأقلُّ ما فى هذه الدعوى أنها تكشف وتفضح الاحتلال"رسميا"على المستوى الدولي، ناهيك برمزية جنوب إفريقيا و"تراثها" المتراكم المتعلق بالفصل العنصري الذي اكتوت بناره زمنا طويلا من قِبَلِ نظام "لا بارتايد" العنصري البغيض الذى يشبه فى أكثر من وجه الاحتلال الاسرائيلي الأبغض

رابعا: الصراع الداخلي المركب:

إن من يتابع أخبار هذه الحرب ـ والكل يتابعها بشكل أو بآخر ـ فإنه سيلاحظ الصراع المرير الذى يطفو ويبرز على السطح أحيانا، وما خفي أعظم، والذى لا تخطئه العين المجردة بين القيادتين السياسية والعسكرية فى مظاهر مختلفة، ناهيك بالمظاهرات المستمرة العارمة ـ داخل الكيان ـ المطالِبة بإطلاق صفقة تبادل شاملة لإطلاق سراح الأسرى والرهائن وباستقالة نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة

خامسا: الازمة الاقتصادية القاتلة:

يعيش الكيان أزمة اقتصادية خانقة، وهذا أمر طبيعي له أسباب متعددة منها"صواريخ غزة"، ومنها انشغال الموظفين في قوات الاحتياط بالحرب، ومنها التكاليف الباهظة لتمويل الحرب، ومن تجليات ذلك الانسحابات العسكرية اللافتة من غزة فى جزء منها(أعني الانسحابات)..

سادسا: مصطلحات جديدة أفرزتها الحرب:

لقد أفرزت هذه الحرب المركبة غير المسبوقة مصطلحات جديدة منها:"المسافة صفر"، ويتعلق الامر بزرع العبوة في جسم الدبابة والانسحاب خلال ثوان قليلة، "تدميركلي أو جزئي"، ويتعلق الامر بتدمير الدبابان وتحويلها إلى كتل من اللهب أو بإعطابها وإخراجها عن الخدمة، "لا سمح الله"، باعتبار "المصطلح الاخير" يحمل شحنة جديدة مضافة إلى معناه الاصلي..

هنا أكتفى بهذا القدر مؤكدا ما أوصيت به في الحلقة السابقة، ويتعلق الامر بمساعدة ومساندة أهلنا في غزة بالمال والدعاء والقلم و"اللسان"طالما لم تتح "المساعدة" بالسنان..

حفظ الله أهل غزة وفلسطين وتقبل شهداءهم، وعجل بشفاء جرحاهم، وفك رهن أسراهم.

( يتبع ويتواصل إن شاء الله)

مولاي بن عبد الدايم بن انداه